الاثنين، 4 يوليو 2011

( الفضائل تنشر والعورات تستر )

بقلم / محمد بصيلة
    الجراثيم لا تكثر إلا في الغرف سيئة الإضاءة والتهوية ، وفتح النوافذ للشمس والهواء النقي يقتل كثير من الجراثيم ويضمن حياة طيبة .. فلنفتح النوافذ للناس كي تعرف ، فالمعرفة كما نؤمن قوة ، والمعلومات المتدفقة هي الشمس الساطعة والهواء النقي القادر على قتل جراثيم الفساد التي تكاثرت فى مجتمعنا ، وقد آن الأوان للتخلص منها .. ومن أجل ذلك نرغب أن تحظى مصر بقانون لإتاحة الوثائق والمعلومات بما يتناسب مع مكانتها الدولية ودورها الرائد في المنطقة العربية والعالم.
      ولا يخفى على حضراتكم أن الوصول للمعلومات في مصر أمر صعب ؛ بل يكاد أن يكون مستحيلا ، وأننا مازلنا حتى اليوم نعتمد على المراوغة في القرارات والقوانين ، ولازال المسئولون يجدون أنه من السهل عليهم أن يعيشوا في الظلام وأن يجاهدوا لمنع وصول المعلومات إلى المواطنين.
    فالمعلومات قوة .. ومن الطبيعي في بلدان لا تؤمن بالديمقراطية إلا قليلا أن تمنع وصول المعلومات إلى المحكومين حتى لا تساعدهم في الرقابة على أعمال هؤلاء المسئولين والحد من سلطاتهم أو إخضاعهم للمساءلة .. ليس فقط أمام الجمهور ؛ ولكن أمام نواب البرلمان في بعض الأحوال .
     لقد ثبت اليوم وبالدليل القاطع أن نقص المعلومات المتاحة للجمهور يؤدي إلى تفشي الفساد وإلى إساءة استخدام السلطة السياسية لصلاحيتها ، كما ثبت أن إخفاء المعلومات أكثر ضررا على الأمن القومي من إتاحتها ، وأن من يحاولون عرقلة حق الجمهور في المعرفة بحجة حماية المجتمع هم في الغالب من ينهبون المال العام أو يفسدون في الأرض في غيبة المجتمع .
      فالفضائل تنشر والعورات تستر .. قول عربي قديم يؤكد أن التضييق على حق الناس في الوصول إلى المعلومات هو في الحقيقة محاولة من أهل السلطه لستر ما لا يحبون أن تعرفه الناس عنهم ، وهي أمور في الغالب تتضمن مخالفات للقانون أو انتهاكات للحقوق أو إهدار للمال العام.
       الاستبداد يجلب الفساد ، والفساد يخيف العباد ، والكذب أصبح عادة قومية ، وإذا كنت كاذبا وماكرا فأنت سياسي بارع ، فحماية البلاد هي عمل وزير الداخلية ، وحماية العباد هي عمل حقوق الإنسان ، ولابد من إتاحة المعلومات وإلا سيصبح الحاكم القادم مثل فرعون يقول : "ما أريكم الا ما أرى ، وأهديكم سبل الرشاد" ، والحاكم لا يرى ما يرى رجل الشارع ولا يسمع إلا كلمات ثناء .. نحن كلنا مسئولون عما حدث ، فالمحكمة العادلة أمام محكمة طبيعية هي الأساس والشعب المصري بطبيعته قابل للتسامح والغفران والمعلومات أساس التنمية.
        فساد الكبار يحتاج إلى حملات صحفية مكثفة ، ولكن تبقى المستندات وإتاحتها وإتاحة المعلومات عائقاً أمام مواجهة الفساد ، والرقابة الإدارية تعمل على مكافحة الفساد في مستويات معينة ، وهناك خط أحمر وعندها يغلق الملف أو يستكمل ، وللأسف فالوصول إلى المعلومات والوثائق يتم حالياً عن طريق صغار الموظفين .. فالطريق مسدود !!
         فساد الأراضى على سبيل المثال في ( مدينتي ).. مستندات خرجت من الشركة نفسها ، وفساد عبّارات الموت ، وتسرب الامتحانات .. الكل متواطئ والفساد الكبير مثل الفساد الصغير ، والكل مستفيد .. فعندما تورطت هيئة الموانئ في العبارة السلام ( 89 ) وأيضا العبارات التي كانت معرضه للغرق ( ألف ضحية ) ، والطرف السياسي كان يوجه التحقيقات ومنع الموانئ من الإدلاء بأية معلومات لعدم تورط الكبار .
       الكل متورط .. ففي تونس زين العابدين ، وفي ليبيا القذافي ، وفي اليمن على عبد الله صالح ، فالكل متورط في إراقة دماء مواطنيهم ، ويحسب للرئيس مبارك أنه تخلى عن السلطه وحقن الدماء !!
         مجلس الشعب يراقب ميزانية الدولة ، ولا يسمح لأحد في رقابته ويمنع الرقابة على نفسه .. فكيف نفهم الشفافية ؟! ويمنع أيضاً متابعة الجلسات والدخول لغير الأعضاء مستحيل !! .. والمجلس أشبه بالثكنات العسكرية ، والمضابط لا تنشر ، ولا توجد نسخه واحدة خارج مجلس الشعب .. لابد من إيجاد نصوص لتعديل ذلك وإعطاء الأحقية للمواطن في الحصول على المعلومات بما لا يهدد كيان الدولة داخليا وخارجيا على أن تكون حرية الآخرين حاجزاً أول وكيان الدولة حاجزاً ثانٍ.
      أصبحت كلمة الأمن القومي حائلاً ومانعاً من الحصول على المعلومات ، وأصبحت حجة للتكتم على المعلومات ، وللأسف إن ذلك أشد خطراً على الأمن القومي، والمعلومات ثروة قومية لا تقل عن قناة السويس والسياحة والبترول والصناعة ، ويجب على دساتيرنا أن تراعى ذلك ، وأن تضمن الحق في الحصول على المعلومات من أجل الحصول على جميع الحقوق الأخرى ، فالإثم كما قال عنه رسولنا الحبي (صلى الله عليه وسلم ) : "ما حاك في الصدر وخاف أن يطلع عليه الناس " وصدق رسول الله ، فالمعلومات مفتاح كل الحقوق .
       مظاهر الفساد أكلت الوطن ولم تبق منه شيئاً .. وشعب قاسى من ويلات الفساد والتغمية ، ولابد من حل القيود الدستورية والقانونية من أجل إتاحة المعلومات والبيانات وإلزام الدولة بتدفقها ، ولابد من التخلص من فكرة المنع المسبق للمعلومات لحماية الدولة ، لأن ذلك شديد الخطورة ويعيد الدولة إلى الاستبداد والدكتاتورية ، وللأسف فإن المسئولين الآن في مصر يلبسون الخوذة ويمسكون السيف لحماية صدورهم وخوض المعارك ، فالاستبداد يجلب الفساد والفساد يخيف العباد !!
     قضية قتل الأسرى المصريين في حرب 1967 للأسف الشديد كشفها صحفي إسرائيلي وليس صحفي مصري ، لأن المعلومات متاحة لديه وقيادتنا يخفون عنا ذلك ، فهناك موروث فرعوني "داري على شمعتك تقيد " ، ولازلنا لا نعرف حتى الآن أسرار هزيمة يونيو ، وانتصار 1973 ، وأسرار ثورة يوليو ، ولا يوجد تقرير رسمي واضح يعتمد عليه في المعلومات ، فيجب أن يكون كشف المعلومات هو الأساس والحجب هو الاستثناء والأصل هو الإتاحة والتداول للجميع والاستثناء هو التحفظ " ودرء المفاسد مقدم على جلب المنافع " .
       ولا ننس أن سيدنا إبراهيم عليه السلام قال : " ربي أرني كيف تحي الموتى ، قال أولم تؤمن قال بلا ولكن ليطمئن قلبي " .

ليست هناك تعليقات: